موضوع: فيلم "الماجيك": اقتتال الفقراء على فتات الأحلام الثلاثاء مارس 04, 2008 12:05 am
على وقع كاريكاتير الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي المعنون بـ"اقتتال الفقراء"، يدير المخرج المصري محمد مصطفى كاميراته، تماما كما كان يفعل ناجي مع قلمه على الورق. لعل هذا ما يتبادر إلى الذهن عند مشاهدة الفيلم المصري الجديد "الماجيك" الذي يدخل في ثنايا الأحياء الفقيرة راصدا اشتراطات العيش في مجتمع كهذا، والذي يعزز من خيارات التنازل المستمر، حتى عن الأحلام أحيانا. وإن كان فيلم "الماجيك" حاكى بشكل أو بآخر الفيلم الشبابي السابق "أوقات فراغ"، اللذين اشتركت في تمثيلهما مجموعة من الوجوه الصاعدة، فإن للجديد ميزة تناول الفئة المسحوقة في مصر، في تيار سينمائي يتجه حاليا نحو الأحياء العشوائية وأهلها الذين يحملون الصفة ذاتها، بعدما سيطرت منتجعات شرم الشيخ والفلل والقصور على نتاج السينما المصرية في السنوات الأخيرة الماضية. يتناول الفيلم حياة مجموعة من الشبان الذين تتخبطهم ثلاثية: الفقر، البطالة والتشوش الديني والقيمي. ما يدفعهم نحو امتهان النصب والسطو على المحال التجارية، إلى جانب إقامتهم علاقات عاطفية مع فتيات لعلهن ينشلنهم من مستنقع البؤس، ليتضح أن الطمع متبادل، في ظل سيطرة الفقر المدقع مع الواقع المظلم على حياة الطرفين. وتقف أحداث لا تقل أهمية على ضفتي هذه الثيمة، فابنة الحي الذي ينتمي إليه الشبان تمارس دعارة مقنعة بعقود زواج يتمها محامي الحي المشبوه، ليقتسم أهل الفتاة والمحامي المهور المقدمة من العرسان الذين هم في غالبيتهم خليجيون، ما يثير نقطتي جدال: الأولى تتعلق بالتدثر بعباءة الدين عن طريق اقتباس نصوص وأحكام انتزعت من سياقها وتطويعها لإسباغ الشرعية على ما لا يتفق والمنطق، وهو ما دفع الفتاة ذاتها إلى الطلب من أحد الشبان الذين أحبتهم لاحقاً قول "إنت مراتي قدام ربنا" لتبرير فعلتها معه على الرغم من عدم وجود عقد زواج، ما يرمز لهاجس الدين لدى كثيرين لا يأبهون إلا بإراحة ضمائرهم على وقع كلمات وعبارات مجردة من الفهم الحقيقي لروح الدين. أما النقطة الثانية، فهي جدلية التعريض لجنسية عربية بعينها في الأفلام المصرية، ما بين ذِكر الواقع والدبلوماسية التي تقتضي ألا تكون جنسية بعينها كبش الفداء، ولعل ذلك يذكر بعاصفة الاحتجاجات التي تلت فيلم "عندليب الدقي" لمحمد هنيدي عندما تطرق بسخرية للشخصية الخليجية. نقطة أخرى، تطرق إليها المخرج في فيلمه هذا، وهي المؤاخاة بين هموم الطبقتين الفارهة والمسحوقة، وهي ما تجلى في شخصية الشاب الثري الذي يعيش في منزل فاره بعيداً عن أهله المغتربين في إحدى الدول الخليجية، والذي يسلك طرق النصب والسطو والانحراف لا لحاجة مادية، بل لافتقار حياته إلى "روح المغامرة"، عدا عن كونه يثير النقطة الآنفة الذكر عن التطرق للدول العربية بانتقاد صريح، عندما وصف حياة إحدى الدول الخليجية بـ"الكرتونية وكأنها مرسومة بالجراف". يُلاحظ كذلك أن المخرج اتخذ من قضية المظاهر وما ترمز إليه من أزمات اقتصادية حجر الرحى الذي ارتكزت عليه أحداث الفيلم كداء ودواء للمعضلة، إذ إنه حصر التدين في فئة من الصوفيين الذين يحملون في أذهانهم فهماً مغلوطاً للكثير من الأفكار الدينية، بالإضافة إلى تعريته من يخدرون مشاكل الشباب بذرائع القدرية إلى جانب المحجبات اللاتي يمتهن الدعارة ويرتدن البارات، وبذا يكون قد استثنى العلاج الديني للمشكلة. كذلك الحال مع ورقة الأهل التي أسقطها من قائمة العلاج أيضاً، فلا الأهل الأثرياء قادرون على حل المعضلة ولا البسطاء، بل لطالما كان للأهل، بحسب الفيلم، الدور الأكبر في وصول أبنائهم إلى نقطة اللاعودة. كذلك كان الجانب الأمني الرسمي الذي لا يأبه إلا بكسر أنوف المنحرفين لا السعي وراء إصلاحهم الحقيقي. ليبقى الحل اليتيم، كما صوره الفيلم، هو إصلاح الوضع الاقتصادي الذي سيجر إصلاحا اجتماعيا وقيميا وأخلاقياً. يبقى في النهاية أن "الماجيك" قدم فرصة ذهبية لبطولة شبابية جماعية، استطاعت بقدراتها الثمثيلية اللافتة صوغ أحداث فيلم قد لا تنطوي فكرته على كل تلك الجدة، بقدر ما هي تسلل خفي للكاميرا التي تلصصت على واقع شباب حائرين بين عالم عربي غارق في همومه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبين عالم خارجي يرفل في نعيم الانجازات بكبرياء القوة وفلسفتها